محمد حيـــــــــــــدره مسدوس
((الفصل الثاني))
واقع القضيه القائم حالياً
انه من البديهي بان إعلان الحرب قد ألغى شرعية إعلان الوحده ، و ان الحرب و نتائجها قد مثلت النهايه التامه لمشروع الوحده و أسقطت شرعية ما تم الاتفاق عليه و خلقت واقعا جديدا لا علاقه له بما تم الاتفاق عليه ، و يمكن إيجاز هذا الواقع الجديد في النقاط الأربع التاليه :
1- لقد قامت صنعاء بعد الحرب مباشره بحل كافة الاجهزه و المؤسسات الجنوبيه المدنيه و العسكريه و الامنيه و غيرها لصالح مؤسسات الشمال ، و عملت على طمس الهويه و التاريخ السياسي للجنوب لصالح الشمال بما في ذلك ثورة الجنوب التي اعتبرتها مجرد فرع لثورة الشمال ، و كرّست لهذا الغرض العديد من الندوات تمهيدا لتذويب الهويه الجنوبيه في الهويه الشماليه و شرعنت نهب الارض و الثروه في الجنوب و حرمان اهلها منها ، في حين ان الثوره في الجنوب هي امتداد عضوي للمقاومه الشعبيه المتواصله في الجنوب منذ دخول بريطانيا مدينة عدن ، و هي لذلك ليست فرعا للثوره في الشمال ، و انما هي ثوره شعبيه مستقله بذاتها . ومن الدلائل الهادفه الى طمس الهويه و التاريخ السياسي للجنوب لصالح الشمال هو رفض الحديث عن أي شئ اسمه الجنوب ، و حتى يوم اعلان الوحده تم استبداله بيوم الجمهوريه اليمنيه هروبا من ذكر الوحده ، و قد تم استبدال مفهوم الوحده السياسيه بمفهوم الوحده الوطنيه للهدف ذاته . كما استبدلت كافة المعالم و التسميات التاريخيه في الجنوب بتسميات شماليه ...الخ ، و حتى اذاعة و تلفزيون عدن تم استبدال اسميهما لنفس الهدف . و قد اصبحت المناهج الدراسيه تكرس تاريخ و هوية الشمال دون الجنوب ، و هو ما يدل على غياب الوحده و عدم وجودها . فلو كانت صنعاء معترفه بالوحده لكانت اعترفت بان تاريخ و هوية البلاد ككل تتكون من تاريخ و هوية الطرفين كدليل على وجود الوحده . فعند الحديث عن الحكم الامامي في الشمال كان لا بد من الحديث عن الحكم السلاطيني و الحكم البريطاني في الجنوب ، و عند الحديث عن الثوره في الشمال و مبادئها السته كان لا بد من الحديث عن الثوره في الجنوب و مبادئها الخمسه ...الخ ، لانه بدون ذلك يسقط مفهوم الوحده و تكون العلاقه بين الشمال و الجنوب علاقة احتلال و ليست علاقة وحده ، و هذا ما هو حاصل منذ حرب 1994م . فقد مارس نظام صنعاء اعمالا خارج العقل ، و هو كما عرفناه لا يؤمن بالعقل و لا يحتكم اليه ، بل و يراه نوعا من الضعف . كما انه يحتقر التواضع و لا يؤمن به ، بل و يراه ايضا نوعا من الضعف ... الخ . و في هذه الحاله كيف يمكن التعايش مع من يفكر بهذه العقليه ؟؟؟ . فمن يسخر من العقل و لا يؤمن به و لا يحتكم اليه ، و من لا يعرف التواضع و لا يؤمن به و لا يمارسه لا يمكن له ان يتعايش مع غيره ، لان استخدام العقل و ممارسة التواضع هما القاعده العامه للتعايش ، و هما القاعده العامه للتطور . اما التعالي و الفروسيه التي ما زالت متأصله في ثقافة صنعاء ، فانها التجسيد الملموس للجهل و التخلف بكل تأكيد . فقد قال احد المفكرين انه من السهل لاي انسان ان يحكم شعب خارج النظام و القانون حتى و لو كان امياً اذا ما كان خالياً من الاحساس بالمسؤوليه ، و لكنه من الصعب عليه ان يحكمه بنظام و قانون ، إلاّ بدرجه رفيعه من المعرفه و درجه عاليه من الاحساس بالمسؤوليه.
2- لقد تم بعد الحرب احتكار السلطه و اصبح القرار السياسي قرارا شماليا خالصا كتحصيل حاصل لنتائج الحرب . و هذا يعني بان السلطه قد فقدت طابعها الوحدوي بعد الحرب و شكلت بذلك دليلا على شمالية النظام و عدم وحدويته . صحيح بان هناك وزراء من الجنوب ، و لكنهم خارج القرار السياسي لسلطة الدوله و يعتبر وجودهم مثل عدمه . و الاهم من ذلك ان صنعاء ترفض ان يكونوا ممثلين للجنوب ، لانها لا تعترف باي تمثيل سياسي للجنوب بعد الحرب . و طالما و صنعاء لا تعترف رسميا بانهم يمثلون الجنوب ، و هم من جانبهم لا يدعون ذلك ، فانهم بالتأكيد موظفين و ليس شيئا آخر . و الاكثر من ذلك ان صنعاء تقول لا وصايه للجنوبيين على وطنهم غيرها . و هذا القول ليس فقط رفضا للوحده و عدم الاعتراف بها ، و ليس فقط اعترافا ضمنيا بالضم و الالحاق ، و انما هو اعترافا ضمني بالاحتلال . و هناك مبدأ من مبادئ الامم المتحده يقول ان اي وحده اجباريه تعتبر استعمارا بكل ما للكلمه من معنى ، و هو ما ينطبق تماما على قضيتنا ، خاصه و ان كل المنحدرين من الشمال في السلطه و المعارضه اصبحوا بعد حرب 1994م يصرون على واحدية الجنوب و الشمال ، و على واحدية تاريخيهما و ثورتيهيما خلافا لحقائق الواقع الموضوعي الملموس . و هذ في حد ذاته هو رفض فعلي للوحده و تكريس عملي للاحتلال . حيث ان اي وحده سياسيه بين دولتين هي وحدة السياده الوطنيه و ليست هيمنة طرف على الطرف الاخر و طمس تاريخه السياسي و هويته و نهب ارضه و ثروته و حرمانه منها بأسم الوحده و بقوة السلاح .
3- انه بسبب احتكار السلطه ، فقد تم احتكار الارض و الثروه في الجنوب عبر السلطه ، لان الارض و الثروه في الجنوب ملكا للدوله بموجب قوانين التأميم التي مازالت ساريه في الجنوب ، و التي تم التمسك بها اكثر بعد الحرب . حيث تم الاستيلاء على الاراضي العقاريه و الزراعيه و البور ، و على المباني و المنشاءات الحكوميه و المؤسسات الانتاجيه و الخدميه و الورش و المعامل و المصانع و الثروات النفطيه و السمكيه و غيرها لصالح ابناء الشمال . و حتى المشاريع الصغيره في الجنوب تنفذ من قبل مقاولين شماليين . كما ان القروض من بنك الاسكان و من بنك التسليف الزراعي مسهله لابناء الشمال و مصعبه على ابناء الجنوب . و هناك تقويض لميناء و مطار عدن لصالح ميناء الحديده و مطار صنعاء رغم الافضليات الجغرافيه و الفنيه و الشهره العالميه لميناء و مطار عدن . و أمٌا عدن كمنطقه حره و كعاصمه شتويه و اقتصاديه ، فان ذلك لم يحصل حتى الان . و الاخطر من ذلك انه يطبق نظام تمليك الاراضي في الجنوب لابناء الشمال ، و يطبق نظام التأجير على ابناء الجنوب الذين هم اصحاب الارض الاصليين . و قد فتحت مكاتب في صنعاء و غيرها من المدن الشماليه لبيع الاراضي في الجنوب باعتبارها ملكا للدوله ...الخ . و السؤال الذي يطرح نفسه ، هو بأي حق ينهبون الارض و الثروه في الجنوب و يحرمون اهلها منها ؟؟؟ . و بأي حق يطمسون الهويه و التاريخ السياسي للجنوب لصالح الشمال ؟؟؟ . و هل نهب الارض و الثروه و حرمان اهلها منها في الجنوب هو الوحده ؟؟؟. و هل طمس الهويه و التاريخ السياسي للجنوب لصالح الشمال هو الوحده ؟؟؟. فلم يخطر في البال مثل ذلك و إلاَّ لما اعلنت الوحده اصلا حتى و لو كانت القياده الجنوبيه من دون وعي ، لانه لا يوجد أي شكل من اشكال الوحده يسمح لهم بذلك حتى و لو كانت وحدة ضم و الحاق . فالجنوب ممكن ان يكون مفتوحا للاستثمار ، و لكنه لا يمكن ان يكون مفتوحا للنهب و للبيع و التمليك لغير اهله .
4- لقد شمل الغبن كل الجنوبيين نتيجه لذلك بمن فيهم من كانوا ضد الحزب الاشتراكي ، و بمن فيهم من تبقى في جهاز الدوله من الجنوبيين ، و زاد هذا الغبن اكثر عدم المساواه . فعلى سبيل المثال ، لا شيخ القبيله في الجنوب مثل شيخ القبيله في الشمال ، و لا المناضل مثل المناضل ، و لا الشهيد مثل الشهيد ، و لا معاملة المريض مثل المريض ، و لا من تبقى من الجنوبيين في جهاز الدوله المدني و العسكري مثل نظرائهم الشماليين ، و لا المستثمر الجنوبي مثل المستثمر الشمالي ، و حتى سلاطين الجنوب ارجعوهم الى مشائخ ما دون مشائخ الشمال ، و كذلك الوزراء لم يكونوا متساويين ....الخ . و هناك مئات الالاف من المدنيين و العسكريين الذين تمت تصفيتهم من اعمالهم المدنيه و العسكريه و هم مازالوا شبابا و لديهم الكفاءات و الخبرات في اعمالهم ، مع العلم بان وظائفهم المدنيه و رتبهم العسكريه هي من دولة الجنوب السابقه. و هذا يعني بإن اجهزة الدوله المدنيه و العسكريه ستصبح قريباخاليه تماما من الجنوبيين . صحيح ان جزءا منهم قد تم إخراجهم بموجب قوانين شروط الخدمه المدنيه و العسكريه ، و لكن هذه القوانين لم تأخذ بعين الاعتبار الفارق الزمني بين نظام الخدمه في الجنوب و نظام الخدمه في الشمال . حيث ان نظام الخدمه في الجنوب من عهد بريطانيا ، و نظام الخدمه في الشمال من عام 1985م . و قد كان من المفترض بان تحل هذه المعضله باحتساب الخدمه في الجنوب من زمن الخدمه في الشمال او العكس ، و لكن ذلك لم يحصل للاسف . فكما سبق ذكره قد تم حل جميع المؤسسات العسكريه و المدنيه الجنوبيه بعد الحرب لصالح مؤسسات الشمال ، و تم تسريح افرادها ، و تمت تصفية كافة مؤسسات القطاع العام بعد ان تم تحويلها الى قطاع خاص لصالح اصحاب السلطه و المال من ابناء الشمال ، بينما الكل يعرف بان القطاع الخاص و كل شئ في الجنوب سابقا قد تم تحويله الى قطاع عام تملكه الدوله مقابل ان تكون الدوله ذاتها هي رأسمال الجميع و مسئوله عن كامل شؤون حياتهم بموجب النهج الاشتراكي الذي كان سائدا في الجنوب . و بحكم انه لم يبق قطاع خاص في الجنوب ، فان كل ابناء الجنوب قد كانوا موظفين مع الدوله ، و بعد تصفيتهم من جهاز الدوله اصبحوا عاطلين عن العمل و اطلق عليهم (( حزب خليك في البيت )) اضافةً الى البطاله من الشباب الذين لم يجدوا اعمالا . حيث يتم التوظيف في الجنوب من ابناء الشمال بما في ذلك عمال شركات البترول العامله في الجنوب . و حتى منظمات المجتمع المدني التي منبعها من الجنوب لا يوجد فيها جنوبي على رأس أي منظمه ، رغم الكفاءات و الخبرات المتراكمه لدى الجنوبيين ، ناهيك عن وسائل الاعلام و الاحزاب المحصوره على ابناء الشمال . كما ان القبول في الكليات العسكريه و الامنيه و الجامعات و المنح الدراسيه في الخارج تكاد ان تكون محصوره على ابناء الشمال بما في ذلك السفارات . و هناك تشجيع رسمي للثأرات القبليه و للثأرات السياسيه في الجنوب و سياسة تجهيل و افقار و تغيير سكاني منظم و ملموس . و قد فرض على ابناء الجنوب الفقر و الجوع و المهانه منذ حرب 1994م ، و اصبحوا مغلوبين على امرهم في كل شئ الى درجة ان من بقي منهم في جهاز الدوله المدني و العسكري اصبح يخفي جنوبيته خوفا على وظيفته او ثروته التي جاد بها النظام عليه ، لانه لا يملك حماية نفسه . هذه هي صوره موجزه عن الواقع القائم حاليا في الجنوب .
إن إعلان الوحده بين دولة الجنوب و دولة الشمال يختلف من حيث المبدأ عن جميع الوحدات التي عرفها التاريخ حتى الان بما فيها وحدة المانيا الاخيره . و يمكن تحديد الفوارق المبدئيه بين التجربتين في التالي :
أ- ان الوحده الالمانيه هي وحده وطنيه بين أطراف من دوله واحده قسمتها الحرب العالميه الثانيه و ليست وحده سياسيه بين دولتين كما هو عندنا ، و هي لذلك قد تمت تحت دستور و علم و نشيد المانيا الغربيه و تحت عملتها النقديه و شخصيتها الدوليه ...الخ ، باعتبار ان شرق المانيا جزءً أقتطعه الاتحاد السوفيتي في الحرب العالميه الثانيه ، و فور تخليه عن هذا الجزء تمت إعادته الى الدوله الام ، بينما الوحده عندنا هي وحده سياسيه تم إعلانها عبر حوار بين دولتين ، تنازلت كل منهما عن دستورها و علمها و نشيدها و عملتها النقديه الوطنيه و شخصيتها الدوليه ... الخ ، في سبيل دوله جديده لا هي دولة الشمال و لاهي دوله الجنوب ، و انما هي دوله جديده تضم الهويتين . وقد كان من المفترض بأن تقام هذه الدوله الجديده خلال المرحله الانتقاليه وفقاً لإتفاقية إعلان الوحده . حيث قام الجانب الجنوبي بإعداد برنامج سياسي يحدد ملامح الدوله الجديده المفترض إقامتها على مبدأ الاخذ بالافضل المتفق عليه في إتفاقية إعلان الوحده . و لكنه بحكم ان مفهوم صنعاء للوحده هو عودة الفرع الى الاصل ، و بحكم أنه لم يوجد في دولة الشمال ماهو أفضل غير الموقف من الملكيه الخاصه و الموقف من الدين ، و لم يوجد في دولة الجنوب ماهو أسواء غير ذلك ، فإن صنعاء قد ماطلت في تنفيذ اتفاقيات الوحده و تهربت من قيام دولة الوحده حتى قامت بالحرب ، و ألغت شرعية ما تم الاتفاق عليه و اعتبرت الحرب حرباً مقدسه . و لذلك فانه لا يجوز من حيث المبدأ بعد الان قبول اي حل ما لم يكن مشروطا باستفتاء شعب الجنوب عليه ، لانه لا يوجد و لن يوجد اي حل شرعي الا برضا الشعب صاحب الشأن .
ب- ان الوحده الالمانيه لم تعمَّد بالدم بعد إعلانها كما حصل عندنا و ادى الى إسقاط مشروع الوحده و نهب الارض و الثروه في الجنوب و حرمان أهلها منها . فرغم ان الوحده الالمانيه هي وحده وطنيه و ليست وحده سياسيه كما هو عندنا ، الاّ أن سكان شرق المانيا يملكون ارضهم و ثروتهم و يحكمون أنفسهم عبر حكومه خاصه بهم في إطار دوله إتحاديه رغم انهم طرفان من دوله واحده . فلم تقم المانيا الغربيه بنهب أرضهم و ثروتهم ، و لم تنهب القطاع العام الذي خلَّفه النظام الاشتراكي كما حصل عندنا ، و انما قامت بتحويل القطاع العام الى قطاع خاص لصالح السكان ذاتهم بإعتباره ثروتهم لا يجوز تمليكها لغيرهم ، و قامت بدعمهم و تطويرهم إقتصادياً و إجتماعياً و علمياً من اجل ان يتجانسوا مع المانيا الغربيه ، في حين ان صنعاء تنهب ارضنا و ثروتنا و تكرَّس التفاوت الاقتصادي و الاجتماعي بين الشمال و الجنوب ، و تكرَّس الاميه و الجهل في الجنوب منذ حرب 1994م ، و مع ذلك نحن نطالب بالحوار و النظام يرفضه . كما أننا قد كنا و مازلنا ندعم مطالب المعارضه في الشمال و هي كانت و مازالت ترفض مطالبنا . و بالتالي من هو على حق و من هو على باطل ؟؟؟ .
ج- أنه بالرغم من التطور الاقتصادي و الاجتماعي و العلمي الذي حصل في شرق المانيا بعد الوحده ، الاّ ان هناك من يطالب بالانفصال ، و مع ذلك فإن السلطه المركزيه لم تواجههم بالقمع و القتل و الاعتقالات و المحاكمات و الملاحقات و الحصار العسكري لمدنهم و قراهم كما هو حاصل عندنا ، و انما تواجههم بالحجه و بالاحتكام الى الرآي العام في شرق المانيا . حيث ان مثل ذلك هو حق تكفله لهم الديمقراطيه و حقوق الانسان حتى و ان كانا طرفين من دوله واحده.
(( يلـــــــــحــــــــق فـــي الــــــــــــعـــدد القادم ))
بالتزامن مع صحيفة الوسط الأسبوعية
0 التعليقات: on "وثيقتي للتوحيد 2-4"
إرسال تعليق